
متى تجب الزكاة على الذهب في الشريعة الإسلامية
المقدمة
الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي عبادة مالية شرعها الله لتطهير الأموال وتنميتها، ولتحقيق التكافل الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء. ومن أبرز الأموال التي تجب فيها الزكاة الذهب، سواء كان على هيئة سبائك أو حُليّ معدّة للادخار. وقد أولت المملكة العربية السعودية هذا الركن العظيم اهتمامًا خاصًا، حيث نصّت أنظمتها على وجوب إخراج الزكاة على الذهب بما يوافق الشريعة الإسلامية، وجعلت ذلك تحت إشراف "هيئة الزكاة والضريبة والجمارك".
أولًا: الأساس الشرعي لزكاة الذهب
من القرآن الكريم
وردت عدة آيات تؤكد وجوب الزكاة في الذهب والفضة، ومن أبرزها قول الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34].
وقد اتفق المفسرون أن المقصود بالإنفاق في سبيل الله هو إخراج الزكاة الواجبة، وأن الوعيد بالعذاب جاء بسبب منع الزكاة.
من السنة النبوية
- قال النبي ﷺ: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأُحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جبينه وجنبه وظهره» (رواه مسلم).
- وقال ﷺ: «ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة» (متفق عليه). وهذا الحديث أصل في بيان النصاب.
ثانيًا: نصاب الذهب ومقدار الزكاة ؟
النصاب
أجمع الفقهاء على أن نصاب الذهب هو 20 مثقالًا، وهو ما يعادل 85 جرامًا من الذهب الخالص عيار 24. فإذا بلغ الذهب هذا القدر أو زاد وجبت فيه الزكاة.
مقدار الزكاة ؟
النسبة المفروضة هي ربع العشر (2.5%).
- مثال: من كان لديه 200 جرام من الذهب الخالص، فعليه أن يُخرج 5 جرامات زكاة أو ما يعادل قيمتها نقدًا.
ثالثًا: حولان الحول
من شروط وجوب الزكاة أن يمضي على الذهب حول قمري كامل (سنة هجرية) منذ بلوغه النصاب. فإن نقص عن النصاب خلال السنة ثم عاد وبلغ النصاب يبدأ حساب الحول من جديد.
رابعًا: زكاة الحُلي المخصص للاستعمال
اختلف العلماء في حكم زكاة الحُلي المعد للاستعمال:
- الحنفية: أوجبوا الزكاة فيه مطلقًا إذا بلغ النصاب.
- المالكية والشافعية والحنابلة: قالوا بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال الشخصي، كالخواتم والأساور التي تلبسها المرأة، بشرط ألا تكون زائدة عن الحاجة المعتادة.
- الراجح الذي أخذت به السعودية وهيئة كبار العلماء: أن الحُلي المعد للادخار أو الاستثمار تجب فيه الزكاة، أما الحلي المعد للاستعمال المعتاد فلا زكاة فيه.
خامسًا: ما أقرّته المملكة العربية السعودية
تتبع المملكة في هذا الباب ما جاء في قرارات هيئة كبار العلماء، حيث نصت على:
- وجوب إخراج الزكاة عن الذهب والفضة إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول.
- الذهب المقتنى للادخار أو التجارة أو الاستثمار: تجب فيه الزكاة بلا خلاف.
- الحُلي المستعمل للزينة: لا تجب فيه الزكاة إذا كان في حدود المألوف، أما إذا كان معدًا للادخار أو كان كثيرًا جدًا خارجًا عن المعتاد فيجب إخراج زكاته.
- يتم حساب النصاب والقدر الواجب بناءً على سعر الذهب في السوق وقت إخراج الزكاة.
سادسًا: الحكمة من تشريع زكاة الذهب
- تحقيق التكافل الاجتماعي: إذ يُعاد توزيع جزء من أموال الأغنياء على الفقراء.
- تطهير النفس والمال: قال تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة: 103].
- منع تكديس الثروة: الإسلام لا يمنع الغنى لكنه يمنع تعطيل المال عن خدمة المجتمع.
- تنمية المال بالبركة: فالزكاة لا تنقص المال بل تزكيه وتباركه.
سابعًا: كيفية حساب الزكاة عمليًا
- تحديد الوزن الكلي للذهب: سواء سبائك أو مشغولات.
- تقدير العيار: وتحويله إلى مكافئه من الذهب الخالص (24 عيار).
- التأكد من بلوغ النصاب (85 جرامًا).
- حساب 2.5% من الكمية أو قيمتها السوقية.
- مثال تطبيقي:
- امرأة لديها ذهب بوزن 150 جرامًا عيار 21.
- الذهب الخالص = (150 × 21 ÷ 24) = 131.25 جرام.
- بما أنه تجاوز النصاب، فتجب الزكاة.
- مقدار الزكاة = (131.25 × 2.5 ÷ 100) ≈ 3.28 جرام ذهب.
ثامنًا: الجهة المخولة بالزكاة في السعودية
- الإشراف على تحصيل الزكاة يتم عبر هيئة الزكاة والضريبة والجمارك.
- يمكن للمكلف حساب زكاته بنفسه أو عبر المنصات الرسمية التي توفرها الهيئة.
- كما تُشرف الدولة على صرف أموال الزكاة في مصارفها الشرعية الثمانية التي ذكرها الله في قوله:
- ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [التوبة: 60].
الخاتمة
زكاة الذهب فريضة عظيمة دلّ عليها القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهي وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وحماية المال من الهلاك. وقد حرصت المملكة العربية السعودية على تطبيق هذه الفريضة وفق ما جاء في الشريعة الإسلامية، فجعلت إخراج الزكاة على الذهب والفضة إلزاميًا إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، مع مراعاة التفريق بين الحلي المقتنى للاستعمال والحلي المعد للادخار.
ومن التيسير أن الأنظمة الحديثة في المملكة تمكّن الأفراد من حساب زكاتهم بسهولة عبر المنصات الرسمية، ليؤدوا حق الله تعالى، وليكون مالهم طيبًا مباركًا فيه.
وبذلك يتحقق قول النبي ﷺ: «ما نقص مال من صدقة» (رواه مسلم).